:


بعض الغرباء !!



بعض الغرباء .

إذ أعود إلى الماضي , الماضي القريب بعض الشيء لأتذكر نفسي , أعتقد أنني كنت غريبة الأطوار نوعا ما , يفسر هذا لأنني كنت طفلة أمي , بين أقراني كنت انطوائية , خرقاء مرتبكة , عاداتي على النقيض تماما منهم , كنت بلا أصدقاء , بل كنت أجتذب دائما الأصدقاء غريبي الأطوار , كانوا يختفون بشكل غير مبرر , ربما ينتقلون إلى مدرسة أخرى , كنت أعتقد أنهم يموتون حتى ارتبط في ذهني أنني جالبة للنحس أو الموت , أو كما يتندر ممن هم حولي أن شخصيتي كانت مخيفة .






(ورد) هو اسمي ولدت في بيت متواضع جدا , لأبوين قنوعين بما أعطاهم الله إياه , ساعة ولادتي لم أصرخ صرختي الأولى – صدمة الميلاد – يعزى سبب انطوائيتي لهذا السبب , ولست مقتنعة تماما بهذا السبب .
في سن التاسعة, في ذلك الوقت تقريبا بدأ أبي يواجه مشاكل في مقر عملة مما اضطره إلى أن ينتقل إلى فرع آخر في مدينة أخرى إلى مقر آخر مريح , كان الانتقال أمرا غامضا بالنسبة لي بكل تفاصيله .

حين استقرينا في بيتنا الجديد بدأت أفتقد أشيائي التي تركتها هناك خصوصا كفوفي الصغيرة المطبوعة بمختلف الألوان على الحائط الخلفي للمنزل , ورسوماتي وأحرفي , وأخيرا قبر طائري , فبعض الأشياء أبدا لا يمكن نقلها , تظل رهينة مكانها , لا تنفع أي فدية لإطلاق سراحها , خصوصا تلك الأركان التي كثيرا ما كنت أفرغ غضبي الصغير فيها .




بدأت أعتاد بعض الشيء على بيتنا الجديد , بدأت أخرج من انطوائيتي بحلولنا جيران
لعائلة لديهم طفلة في مثل سني , كانت تعيش مثل أي فتاة , تتسم بصفة العاطفية الحسية لكن ليس بطريقة فتاة في مثل سنها أبدا , منبسطة الصدر , مثل أمي , أخذتني الحيرة بدأت أقارن جسدي بجسدها كنت معتده بنفسي قبل أن أقابلها فقد كانت تتميز بأشياء لا أملكها أنا , يداها جميلة ملونة بالحناء , تفوح منها رائحة العطور الزكية .


أصابني ذهول , حتى أيقنت أنني حقا غريبة أطوار لذا يبتعد الأطفال عن مرافقتي .
نجلس عادة على العتبة في الفناء الخلفي للمنزل , كانت كثيرة الحركة كلما سمعت هدير محرك سيارة تركض لتسترق النظر لترى صاحبها .

تخبرني عن ( فايز ) تتحدث دائما عنه وقد اعتادت القول أنه أرسل لها رسالة غرامية ثم تغمض عينيها وتقول كلاما كثيرا أغلبة لم أجد له معنى في قاموسي الصغير.

أحضرت لي ذات يوم الرسالة الغرامية تلك , مظهرها كان جميلا وإن لم أستطع قراءة المدون فيها بل تظاهرت بقراءته وأنا أهز رأسي تعبيرا عن جمال المكتوب فيها – قد سئمت كوني غريبة أطوار – إذ كانت تصرفاتها بجملتها مستنكرة أو منحرفة حسب العرف الذي أعرفه , مما زاد من انطوائيتي داخل البيت والكآبة اللاحقة التي ألمت بي , وعصبيتي التي اجتاحتني .
قررت أن لا أكون غريبة أطوار بعد اليوم , بدأت أسرق أحمر الشفاه من أدوات زينة أمي حتى حين أقابل (هند ) وهو اسمها بالمناسبة أكون مثلها ولست غريبة عنها , حتى تطورت السرقة إلى طلاء الأظافر.

أمي تلاحظ هذا الأمر مؤكد ولكن لست أعلم لماذا لم تعاتبني أو تتحدث بشأنه .

قد أثر أمر (هند) في توازني العاطفي بعمق , فكان سبب تصرفاتي الأخيرة غير المستقرة هو أن يكون لي شخصا ما يراسلني كما (فايز)

ذات يوم كما العادة نجلس على العتبة نتحدث في أمور كثيرة , لا أفقه معظمها , قالت لي
- : اسمعي ورد سيأتي فايز الآن وسيأخذني في نزهه الجميع يعلم أنني معك هنا فلا تعودي إلى المنزل حتى أعود

- : هند خذيني معك
- : لا أستطيع , لا أستطيع فأنت ستغطين عليّ في المرة القادمة سأجعله يأخذك أنت في نزهه
ذهبت وجلست أنا على العتبة أنتظرها بأحلام يقظة بمثل فايز يأخذني ليشري لي بعض الحلوى والدمى ويأخذني إلى مدينة الملاهي لألعب , حتى حل المساء وبعد حلول المساء بساعتين ولم تعد , انتابني القلق بشأنها , هل أخبر أمي ؟!

في تلك اللحظة جاء أبي وصرخ بي أن ماذا أفعل هنا حتى هذا الوقت بمفردي , أنظري إلى هند عادت إلى منزل أهلها لأنها تسمع كلامهم ليس مثلك وكلام آخر كثير بصيغة التوبيخ .
دخلت إلى منزلنا مع أبي وفورا دخلت لأنام خوفا من النتائج القادمة .

رن جرس الباب , قمت من سريري وألصقت أذني بباب حجرتي أسترق السمع , فإذا بها جارتنا أم هند تسأل عن هند , ارتعشت خوفا وهلعا .

فتحت والدتي باب حجرتي وصدمتني بالباب إذ كنت ملتصقة به أسترق السمع بادرتهم بأن أخبرتهم بكل شيء , كل شيء فلم أعتد الكذب وحفظ الأسرار فليس لدي أصدقاء لـ أتعلم منهم كيفية حفظ الأسرار والكذب على الأهل وإخفاء الأمور.

صدمني أن أم هند بدأت تصرخ بكلام غريب لم أفهم أغلبة ولكن كان في الأمر شيء ما يبدو أنه خطير للغاية
.
أرغمتني أمي على النوم بعد احتضانها لي لفترة طويلة لم أعتد عليها وهي تلعن ذلك اليوم الذي قدمنا فيه إلى هنا حتى نمت ولم أكمل البقية .

صحوت في الصباح وقد تأخرت على موعد المدرسة بساعات طويلة سألت أمي لما لم توقظيني للمدرسة اليوم وماذا حدث لهند هل عادت؟! مسكت والدتي يدي وأجلستني بقربها وبدأت كمن ستلقي محاضرة

- : اسمعي يا أبنتي حتى لو عادت هند لا أريدك أن تلعبي معها بعد اليوم ولا أظنها ستعود على أية حال – تقول ذلك بصوت خافت-

- : لماذا يا أمي لا أحد ألعب معه هنا غيرها

- : ورد يا بنيتي هند ليست في مثل سنك أبدا لن تفهمين ذلك الآن حين تكبرين ستفهمين هي مريضة لا تنمو جسديا , عقلها فقط يكبر لا تعودي تسألين عنها وانهضي الآن اغتسلي لتناول طعام الإفطار.


مرت الأيام ورحل جيراننا كما رحلنا نحن من قبل لم أعرف شيئا عن هند ولم أعد أرغب في معرفة أخبارها , لأنني من خلالها اكتشفت أنني لست غريبة أطوار , فخرجت من انطوائيتي وكثر رفاقي في المدرسة .

بعض الأمور يكفي أن لا تفهمها حتى تفهمها


0 التعليقات:

إرسال تعليق